المصدر: اندبندنت عربية
هل تكسر “الدعم السريع” هيمنة الجيش السوداني في الجو؟
ملخص
يشهد الصراع السوداني سباقاً ضمن إطار الحرب جوهره طموح “الدعم السريع” بامتلاك قدرات جوية لتحدي هيمنة الجيش، فهل تنجح قوات “الدعم السريع” في امتلاك منظومة جوية أبعد من المسيرات؟
منذ الساعات الأولى من اليوم الأول للحرب بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” في الـ15 من أبريل (نيسان) 2023، حرصت الأخيرة على شل قدرة الطيران الحربي للجيش، الذي شكل الهاجس الأكبر بالنسبة إليها، وتمكنت بالفعل من السيطرة على معظم مطارات البلاد في كل من مروي والأبيض ونيالا والشهيد صبيرة بالجنينة وقاعدة النجومي الجوية بجبل أولياء جنوب الخرطوم، إلى جانب مطار الخرطوم والقاعدة الجوية الملحقة به.
أول الغارات
كما هاجمت قوات “الدعم السريع” تزامناً مع سيطرتها على المطارات، مقر رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للجيش عبدالفتاح البرهان (بيت الضيافة) ودخلت في مواجهة شرسة مع الحرس الرئاسي قتل خلالها قائد الحرس مع جميع ضباطه وجنوده الـ35.
لكن وبينما كان مقر الفرقة التاسعة المحمولة جواً يتعرض لنيران كثيفة من قوات “الدعم السريع”، وفي تلك اللحظات المفصلية المضطربة قرر اللواء طلال علي الريح، قائد قاعدة وادي سيدنا الجوية، أقصى شمال أم درمان، أن يقود بنفسه الطائرة المقاتلة الوحيدة الموجودة هناك “ميغ 29” على رغم أنها لم تكن مكتملة التجهيز، ليشن أول الغارات جوية مستهدفاً برج القيادة والسيطرة بالخرطوم المعروف ببرج اتصالات “الدعم السريع” ثم يطوف على بقية معسكرات “الدعم السريع”.
شكلت هذه العملية الجوية المفاجئة الخاطفة التي وجهها الطيران الحربي لبرج اتصالات الدعم السريع، وسط الخرطوم وتدمير منظومة اتصالاتها الرئيسة التي كانت تتضمن أنظمة مراقبة وتجسس وتعقب تضمن تواصلاً آمناً لقياداتها، ضربة قاصمة ومنعطفاً في مسار الحرب.
نقطة الضعف
منذ ذلك الوقت وقوات “الدعم السريع” تستشعر بشدة خطر سلاح الطيران عليها وظلت في سعي دائم لتجاوز هذه المعضلة التي شكلت أكبر نقاط ضعفها خلال معاركها المستمرة مع الجيش، وتمكنت بالفعل من إحداث بعض التطوير لقدراتها الجوية، عبر حصولها على طائرات مسيرة “انتحارية” تقليدية، لكنها طموحها في الحصول على منظومة متكاملة للدفاع الجوي، بل حتى امتلاك طائرات مقاتلة لم يتوقف، فهل تنجح في ذلك وكسر وإنهاء التفوق الجوي الكامل للجيش؟
في السياق يلاحظ مراقبون أنه وبعد نشوب الحرب لم تكن قوات “الدعم السريع” تمتلك أي قدرات دفاعية جوية بخلاف المدافع “الرباعية” التي يمكنها فقط التعامل مع طائرات منخفضة التحليق، باستثناء بعض الأسلحة المضادة للطائرات مثل المدافع (الرباعية) الرشاشة أو صواريخ المحمولة على الكتف مثل “مان بادز”، لكنها ليست كافية لتحقيق تفوق جوي أمام طائرات مقاتلة، ولا تشكل تهديداً حقيقياً للطائرات المقاتلة الحديثة.
ويوضح المراقب والباحث العسكري، إسماعيل يوسف، أن “ضعف القدرات الجوية لقوات ‘الدعم السريع’ يشمل مجال الهجوم والدفاع الجوي المتطور، فهي لا تملك طائرات مقاتلة أو حتى مروحيات هجومية أو قواعد جوية لوجيستية، ولا حتى منظومات دفاعية مدعومة بأجهزة مراقبة ورادارات، وذلك بعكس الجيش السوداني الذي يمتلك أكثر من قاعدة جوية متطورة وسرباً من المقاتلات المعروفة والمجهزة بصورة جيدة، إلى جانب أنظمة قيادة وتحكم متقدمة”.
شروط ومطلوبات
يتابع يوسف، “لا يتحقق التفوق الجوي والسيطرة على الأجواء من خلال امتلاك الطائرات الحربية المتقدمة فحسب، بل يعتمد على مدى القدرة على السيطرة على المجال الجوي وحمايته واستغلاله، وهذا يتطلب شبكة رصد راداري متطورة تحت قيادة مركزية وصيانة مستمرة، فضلاً عن الكوادر والفنية والطيارين المدربين”.
يشير يوسف إلى أنه “في مواجهة ضغط مقاتلات الجيش الحربية على تحركاتها وقطع طرق إمدادها، بدأت تظهر لدى قوات ‘الدعم السريع’ في الشهر الثالث من الحرب بعض أسلحة التعامل مع الطيران الحربي، وهي عبارة عن مدافع وصواريخ كتف مضادة للطيران، ما يؤكد سعيها المتواصل لإيجاد وسائل وأساليب للتقليل من تأثير التفوق الجوي للجيش”. ويضيف “بعدما كانت قوات ‘الدعم السريع’ تعتمد على التكتيك الأرضي، وسرعة التحرك والانتشار في المناطق المدنية والأحياء السكنية كعمل تكتيكي مدروس للتقليل من خطورة وفاعلية مقاتلات الجيش، ظهرت لديها لاحقاً الطائرات المسيرة (التقليدية)، في تطور آخر لتحسين قدراتها الجوية والتأثير في المعادلة الميدانية”.
ويعتبر المتحدث ذاته أن مطالبات “الدعم السريع” المتكررة بفرض حظر على الطيران الحربي التابع للجيش، تحت ستار حماية المدنيين، يمكن أن تندرج أيضاً ضمن محاولاتها للتخلص من هاجس رعب المقاتلات الحربية للجيش.
بداية المسيرات
يمضي المراقب في توضيحاته، “بعد الشهر الرابع للحرب برز تطور مطرد في توسع ‘الدعم السريع’ في استخدام الطائرات المسيرة التقليدية الانتحارية، بعضها صيني أو إيراني الصنع يجري تعديله محلياً، وبعضها تقوم إلى جانب مهامها القتالية، بعمليات رصد تحركات العدو وتنفيذ ضربات بإلقاء قنابل صغيرة على متحركات الجيش ونقاط تمركزه الكبيرة”.
لكن وفق يوسف، هذا النوع من المسيرات قد يحدث قدراً من التوازن التكتيكي الطفيف في ميزان المعارك وفي بعض المناطق المحدودة، لكنها لن تقترب من مجاراة قدرات الجيش الجوية أو تؤثر عليها بأي حال. أما إذا فكرت قوات ‘الدعم السريع’ أبعد من ذلك بمحاولة امتلاك وتشغيل طائرات حربية مقاتلة مثلاً، فهذا الأمر تكتنفه تعقيدات وصعوبات عدة، إذ إن أي محاولة لإنشاء قاعدة جوية لانطلاق المقاتلات ولو صغيرة فستكون هدفاً مباشراً لضربات الجيش الجوية، حتى لو كانت داخل المناطق التي تسيطر عليها”.
وفي مواجهة استمرار التفوق الجوي للجيش ومع تفاقم خسائرها بعد عام ونصف العام من الحرب وعلى نحو مفاجئ بدأت قوات “الدعم السريع” استخدام طائرات مسيرة (استراتيجية) أكثر تطوراً، وهي طائرات قادرة على التحليق لمسافات طويلة عبر الحدود وتحمل قذائف صاروخية عدة تمكنها من التعامل مع أكثر من هدف واحد مع إمكان العودة للتذخير مرة أخرى، ومع ذلك وعلى رغم خطورتها فهي لا تخلق توازناً جوياً حقيقياً.
تدريب الطيارين
من جانبه يرى اللواء أمين مجذوب إسماعيل، المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، أن “مسألة الطيارين التابعين لـ’الدعم السريع’ الذين تم ابتعاثهم للتدريب بالخارج في وقت سابق للحرب، لم تعد منطقية الآن لأن الاتصالات والترتيبات في هذا الخصوص كانت تتم سابقاً عبر الدولة، لذلك اعتقد الآن أنه سيتم وقف كل الذين تم ابتعاثهم لتلقي هذا النوع من التدريب”.
ويشير إسماعيل إلى أن “الطيران الحربي لا يدرس مطلقاً للأفراد إلا عبر الدول فحسب، وكثيراً ما هناك حرب نتجت من تمرد قوات كانت تتبع سابقاً للجيش والدولة، فهذا سيعني أن بعثة منسوبي ‘الدعم السريع’ الذين ابتعثوا سابقاً للدراسة والتدريب على الطيران الحربي في الخارج سيتم قطعها تلقائياً ولا يمكن لهم أن يستمروا بعد التمرد”. ويتابع “من الممكن إمداد ‘الدعم السريع’ بطائرات مسيرة، وقد كان استخدام المسيرات المتقدمة كأسلوب جديد مؤثراً بالفعل، وغير شكل المواجهات ونقلها من حرب مدن والشوارع أو المعارك الصحراوية المفتوحة، إلى حرب مسيرات بامتياز”، مبيناً أن “لجوء ‘الدعم السريع’ للمسيرات بصورة واسعة يشير إلى وجود نقص واضح في القوى البشرية تعمل على تعويضه بالمسيرات”.
إرباك وإزعاج
يضيف المتخصص في الشؤون الأمنية أن “المسيرات بدورها تحتاج أيضاً إلى كوادر مؤهلة تقنياً في هذا المجال، لذلك ونتيجة عدم توفر مثل تلك الكوادر لديها، تستخدم قوات ‘الدعم السريع’ مرتزقة أجانب مدربين لسد هذه الفجوة، لذلك يستبعد أن تستمر قوات ‘الدعم السريع’ في استخدام المسيرات لفترة طويلة، ما يعني أن الجيش سيظل محتفظاً بتفوقه الجوي وكذلك في المدفعية الاستراتيجية والمشاة، مما يؤكده تحرير ثلاث ولايات هي سنار والجزيرة والخرطوم في وقت وجيز ومطاردة الميليشيات في ولايات كردفان في الطريق نحو دارفور”.
على نحو متصل يرى العميد طيار المتقاعد علي أحمد خالد أن “امتلاك الميليشيات للمسيرات التكتيكية والاستراتيجية كان مربكاً ومزعجاً لخطط الجيش العسكرية، مما حتم عليه إعادة تموضع قواته ومدفعيته بعيدة المدى، وزاد من المصروفات والجهد المادي المبذول”.
منظومة جوية
ولفت خالد إلى أن “المسيرات التكتيكية الصغيرة التي تحمل عبوات ناسفة استطاعت أن تعكر صفو استقرار المدن الكبيرة وسببت لها إزعاجاً مستمراً، فضلاً عن تخريبها محطات الكهرباء بصورة منتظمة كما حدث أخيراً في عطبرة وقبلها سد مروي وشندي ومحطة أم دباكر وربك وغيرها. كما استطاع الجيش السوداني أيضاً استخدام المسيرات في ضرب مفاصل رئيسة للقوات المتمردة، مما أربك خطة تأمين قواتها داخل الخرطوم وعجل برحيلها من العاصمة”.
وكانت مصادر دبلوماسية قد كشفت عن إكمال ميليشيات “الدعم السريع”، بالفعل تدريب نحو 15 من ضباطها على الطيران الحربي بواسطة خبراء من شرق آسيا على أراضي إحدى دول الجوار، منوهة باكتمال المرحلة الأولى من التدريب التي امتدت لستة أشهر ومن المقرر أن تتبعها مرحلة ثانية لم تبدأ بعد.
أشارت المصادر نفسها إلى أن “قوات ‘الدعم السريع’ باتت الآن وبدعم خارجي على وشك الحصول على منظومة دفاع جوي متطورة تضم غرفة للتشغيل والقيادة والسيطرة ومنصات صاروخية تتبع لها، وذلك بهدف الحماية وتأمين مناطقها الاستراتيجية من الغارات الجوية لمقاتلات الجيش الحربية”.
ضوابط الامتلاك
في السياق يوضح المتخصص في العلاقات الدولية مكي الرشيد أن “المجتمع الدولي، وبخاصة في ما يتعلق ببيع وشراء الطائرات المقاتلة، يفرض ضوابط صارمة جداً، وعادة ما تتم الصفقات ذات الصلة بين الدول والحكومات فحسب، لأسباب تتعلق بالأمن الدولي والتحكم في انتشار الأسلحة، وهي غير متاحة للشركات أو الأفراد إلا في أوضاع محدودة جداً، وبعد تعطل قدراتها القتالية تماماً لأغراض العروض الجوية أو المتاحف”. لذلك يرى الرشيد أن “مساعي قوات ‘الدعم السريع’ لشراء طائرات مقاتلة لن تتحقق إلا إذا جرت في ظل دعم خارجي قوي وعلني، ولعل امتلاك طيران حربي هو أحد الأهداف التي تقف وراء إصرار ‘الدعم السريع’ على قيام الحكومة الموازية من خلال تحالف ‘تأسيس’، لتسهيل إمكان تكوين سلاح للطيران تحت مظلة الحكومة الموازية”.
طموح “الدعم السريع”
وتابع “حتى في حال البيع بالطرق المشروعة فإن هناك شروطاً رقابية لاحقة ترتبط بطبيعة استخدام تلك الطائرات المقاتلة، وفق الاتفاقات الدولية التي تنظم تجارة الأسلحة التقليدية”.
وكان القيادي في تحالف “تأسيس” محمد حسن التعايشي أوضح أن من حق حكومتهم المرتقبة امتلاك سلاح طيران ومنظومة دفاع جوي متكاملة وجيش وشرطة وأمن.
وبحسب تقرير القوات الجوية العالمي الثالث، تضم الترسانة الأساسية للقوات الجوية السودانية 10 طائرات نشطة من طراز (ميغ 29) إلى جانب مجموعة أخرى من الطائرات روسية الصنع، منها مثلاً سبع طائرات من فئتي “ميغ 21 و23″، إضافة إلى 17 مقاتلة من طراز “سوخوي” من فئتي “سو 24 و25”.