المصدر: صوت لبنان
هل حراك الطلاب عمة على تغير في الذهنيات؟
تفاجأ العالم بانتفاضة طلاب الجامعات الأميركية، الرافضون لإبادة أهالي غزة. انتفاضة تتوسع في معظم الدول الغربية وبلدان الجنوب. كما سبق وتفاجأ بانتفاضة أيار عام 68 الفرنسية، واحتاروا في تفسيرها أيضا. اعتبرها البعض محاولة فاشلة لاستلام السلطة، وتعرضت لنفس القمع والشيطنة الذي تتعرض له الانتفاضة الحالية، لدرجة ان التايمز اللندنية اعتبرتها وباء يجب القضاء عليه. واتهموا بالإرهاب.
أما الهجمة اليمينية الشرسة في اميركا، فتضع اللوم على البرامج الاكاديمية للجامعات في محاولة لقمع أي مساءلة للسلوك الغربي الاستعماري والمنحاز.
لكن يعتقد كثر أن انتفاضة طلاب ال 68 لم تفشل، بل تسببت بمتغيرات جذرية كبرى تعلقت بأخلاقيات العالم القديم، وغيّرت عميقا في الذهنيات على امتداد أوروبا والعالم.
ومن المرجح ان يكون هذا الحراك تعبيرا عن تغيير جذري بالذهنيات والاخلاقيات لدى جيل الميلينيوم، المتأثر بثورة المعلومات السيبرانية والسرعة الهائلة في التواصل بين الافراد وزمن التيك توك لنقل الصورة بتفاصيلها. فالفيديوهات تنقل الإبادة الجماعية امام العالم وقت حدوثها، بتفاصيلها الفضائحية. لقد كُسرت الحواجز التي تفرضها الحكومات والاعلام الغربي المنحاز لإسرائيل.
سئم الجيل الجديد سياسات قادته ولم يعد مقبولا تسليح إسرائيل لقتل الفلسطينيين، ولا الإنفاق العالمي على التسلح الذي بلغ العام الماضي 2443 تريليون دولار، أنفقت منها أميركا وحدها 916.
هذا فيما أكثر من مليار انسان يعيشون تحت خط الفقر، ويملك 10 اشخاص (9 منهم اميركيون) 1,56 تريليون دولار، ويحظى 1% من البالغين نصف صافي ثروات العالم. ويحظى 99% الباقين بالنصف المتبقي.
كما سئم الطلاب أخبار الموت والمجاعات واللجوء والاختلال المناخي، كما العنصرية الاسرائيلية، دون القيام بشيء.
قبل الثورة الإعلامية الرقمية، كانت البروباغندا الإسرائيلية في منتهى الفعالية. ساندتها عقدة الذنب الغربية الناتجة عن محارق النازية وفظائعها، وعن اضطهاد الغرب لليهود على مدى قرون. تشبعت الماس ميديا الغربية بالبرامج والكتب والمقالات والأفلام ووسائل الترويج للدعاية الصهيونية وللمحرقة.
في مقابل تصوير العرب كبدو وفلسطين كأرض من دون شعب، جاؤوا لتعميرها ولجلب الديموقراطية.
اعتادت إسرائيل تحدي العالم والتمرد على القرارات الدولية، ولا تزال تضرب عرض الحائط الإرادة الدولية وتعارضها، وتنتهك العهود والمواثيق. تجتاح وتقتل وتخرّب ولا أحد يتجرأ على محاسبتها فعلياً، رغم الإدانات الشكلية (حتى الآن) الأميركية والغربية. فما هو على المحك، محاولات بلينكن اليائسة لإطفاء حرائقها، ليبيع سمك وقف الابادة وحل الدولتين الذي تجعله إسرائيل أكثر استحالة يومياً.
للإعلام دور كبير جدا في تكوين الرأي العام. ففي الستينات، ساهم ظهور التلفزيون بثورة السود الاميركيين
من اجل تحصيل حقوقهم والنضال ضد العنصرية بعد ان نقل التلفزيون الهوة التي تفصل بينهم وبين البيض.
لم تخسر أميركا حرب فييتنام في ساحات سايغون، بل في الجامعات الأميركية. حراكهم كان ايضاً بسبب اعتراضهم على سياسات اميركا الداخلية والخارجية، وعلى العنصرية وعلى تحكم الشركات العملاقة وماكينة الصناعة العسكرية.
لم يعد مقبولاً حمل سلاح معاداة السامية السياسي تجاه كل من ينتقد إسرائيل، لأنه فقد مصداقيته على ضوء إبادة الفلسطينيين المستمرة.
العرب ساميون أيضا ولم يضطهدوا اليهود في تاريخهم، بل قبلوهم كسائر الخلق. وسلاح المحرقة لم يعد مقبولاً للأجيال الجديدة، حتى لبعض اليهود، أمام ما يحصل.
سبق لأعلى سلطة قضائية دولية، ان اتهمت اسرائيل بالإبادة الجماعية. وهي سابقة تحصل للمرة الأولى. حتى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، اعتبر أنها ترتكب “جريمة حرب” بسبب “الاستخدام المتعمّد لتجويع المدنيين في قطاع غزة”.
أصبحت إسرائيل في قفص الاتهام من الرأي العام الدولي الشعبي.
والحكومات الغربية على المحك، بانتظار الأفعال من اجل وقف العنف وإطلاق مسار جدي من اجل إقامة الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها