المصدر: صوت لبنان
هل تعلم العرب ان الخلاص بالتعاون؟
سأتحدث عن أهمية التعاون في التغلب على الأزمات المزمنة التي تعني منها الأوضاع العربية. على أمل أن تتسم سياسات الأجيال الجديدة في المنطقة العربية بهذه السمة، خصوصاً في مواجهة حرب الإبادة في غزة.
فالوضاع المتردية في مناطقنا لا تتعلق بأداء الافراد. لقد فقدت المقولات العنصرية التي ترجع التفوق الثقافي الى البيولوجيا والعرق أو الاتنية صدقيتها. يبرهن العرب تفوقهم كأفراد في مختلف المجالات عندما يعملون في الأطر المناسبة في البلدان المتقدمة.
حاول هراري في كتابه Sapiens، تفسير تفوق صنف الهومو سابينس من البشر، أي نحن، على جميع اخوته السابقين من الهومو نييندرتال الى الهومو اركتوس وغيرهما، فكتب:
“في الصراع على مستوى الافراد يتغلب النييندرتال على السابينس. لكن في صراع بين مئات، لم يكن لدى النيندرتال اقل حظ في الغلبة. صحيح ان النييندرتال كان بإمكانهم التشارك في المعلومات لكن على مستوى ضيق، ولم يكن باستطاعتهم التعاون فعليا بأعداد كبيرة؛ ولا ان يكيفوا سلوكهم الاجتماعي بحسب التحديات التي تتجدد دائما.
سرّ نجاح الهومو سابينس كانت قدرته على التعاون وتحقيق الإنجازات بسبب تطور قدراته المعرفية. انه اختراع اللغة هو الذي سمح بتبادل المعلومات والاخبار وبالثرثرة، وإقامة العلاقات، والقدرة على نقل معلومات، ما ساعده على تشكيل مجموعات اعرض وأكثر ثباتا. وحده الهومو سابينس يمكنه الاعتقاد، او التحدث عن كينونات غير موجودة، او ملموسة: كالقيم والاساطير والآلهة…
انها الثورة المعرفية التي تحققت وساهمت في تطوره.
بعدها، حلّت السير التاريخية محل النظريات البيولوجية لتفسير تطوره. فلفهم انتشار المسيحية او الثورة الفرنسية، لا يكفي فهم التفاعلات الجينية والهرمونات وأعضاء الجسم. من الضروري ان نأخذ في الحسبان ايضا تفاعل الافكار والتخيلات.
هذا لا يعني ان الهومو سابينس خرج عن القوانين البيولوجية. فلا نزال حيوانات، وقدراتنا الفيزيائية والانفعالية والمعرفية مقولبة بال DNA. مجتمعاتنا مبنية بنفس عناصر مجتمعات النييندرتال والشمبانزي، وكلما فحصنا هذه العناصر: احاسيس، انفعالات، روابط أسرية، كلما تناقصت الفروقات بيننا وبين القرود.
من الخطأ البحث عن الفروقات على مستوى الفرد والاسرة. إذا أُخذنا فردا فردا، او عشرة عشرة، فنحن نشبه الشمبانزي على نحو مؤسف. اينشتاين لم يكن لديه مهارة يدوية، وبالتأكيد كان اقل مهارة من صياد- ملتقط.
لا تبدأ الفروقات ذات المعنى بالظهور الا عند تخطي عتبة اجتماع 150 فردا وما فوق. وعندما نصل الى 1500-2000 فردا، تصبح الفروقات مذهلة.
لنجمع آلاف الشمبانزي في تيان ان مين او في وول ستريت او الفاتيكان او الامم المتحدة، فلن ينتج اي شيء. بالمقابل يجتمع الهومو سابينس دوريا في اماكن مشابهة. ومعا يخلقون بنى منظمة، شبكات تجارية، ويغيرون العالم. لا يمكن ان يحقق ذلك الافراد المنعزلين.
ان الإجابة على سؤال: كيف تسنى للبشر امتلاك رؤوس نووية؟ بينما منذ 30 الف سنة فقط كانوا بالكاد يصنعون العصا بطرف من السيلكس؟ هي ان مهاراتهم في التواصل تحسنت، أي التعاون، بين حشود هائلة من الغرباء. فإنتاج رأس نووي يتطلب تعاون آلاف من الاشخاص المجهولين عبر العالم. بينما يتطلب سنّ طرف أداة من السيلكس عمل عدة دقائق من شخص واحد.
ان القدرة على خلق واقع متخيل عبر التواصل بالكلمات هو ما سمح لعدد كبير من المجهولين بالتعاون معا بشكل فعال.
لم يكن ممكنا قبل الثورة المعرفية احداث أي تغيير في السلوك دون ان يحدث هذا التغير على المستوى الجيني (مثل الشمبانزي).
وهذا ما لم ينجزه العرب بعد تماماً!!
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها