المصدر: صوت لبنان
في مشاركة المعارضة في السلطة الاجرائية
بعدما تحوّل النظام الجمهوري في لبنان من ديمقراطي (بمعنى أن الأكثرية الدستورية هي التي تقرّر في مجلسي النواب والوزراء) الى إتحادي (بمعنى أن التقرير في مجلسي النواب والوزراء يتمّ بالتوافق المقيّد على الدوام بتوافر الميثاقيّة أي الإجماع الطائفي)، من خلال الممارسات غير الدستورية، التي أُرسيت وإتخذت بعداً متطوراً منذ إتفاق الدوحة في شهر أيار من سنة ٢٠٠٨، أصبحت الحكومات المكوّنة للسلطة الإجرائية في البلاد بمنأى عن أية محاسبة برلمانية، لاستحالة ممارستها من زاوية نزع الثقة منها او حجبها عنها او إسقاطها إجمالياً او حتى إفرادياً (٦٦ دستور).
بحيث كان يتعيّن على المعارضة، في مثل هذه الوضعية الدستورية المستجدة، أن تشارك لزوماً في تلك الحكومات وأن لا تستقيل منها في حال مشاركتها فيها. وذلك حتى تمارس معارضتها من داخل مجلس الوزراء وتحضّ الحكومة، في آنٍ، على مناقشة كل المواضيع الهامة والمصيرية، ولا سيما، مؤخراً، قرار المشاركة في حرب غزة من عدمه.
وكنّا قد أكدنا، في حينه، على المعارضة ضرورة فعل ذلك. غير أنها سارت بعكس هذا التوجّه ما جعل الحكومات الأخيرة، وبخاصة خلال عهد الرئيس ميشال عون، من لون الفريق الممانع. الأمر الذي مكّن هذا الفريق من القبض على السلطة الإجرائية بكل مفاصلها ومؤسساتها، فسيّر شؤون البلاد وفق خياراته.
وهذا ما يُفسِّر كيف أن الحكومة الحالية برئاسة السيد نجيب ميقاتي هي عاجزة عن حسن تسيير شؤون الدولة، وكيف هي عاجزة أيضاً، بالنظر الى تركيبتها وتمثيل المسيحيين (مردة وتيار) والدروز والسنّة فيها، عن إتخاذ موقف رافض لمشاركة لبنان في حرب غزة، بمعرض تفاديها لأي مواجهة مباشرة مع حزب الله. سيما وأن جميع الوزراء المشاركين فيها، في تلك الحكومة، هم من فئة الذين يغطون سياساته ومتحالفين معه على أرض الواقع او يسترضونه لأهداف رئاسية او سلطوية بحتة.
فضلاً عن أنه لفتنا كذلك، الى أن الحكومة الحالية، والتي تألفت في ٢٠٢١/٩/١٠، هي معدّة لأن تتولّى صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً، في حال تأخر إنتخاب رئيس جديد للبلاد الى ما بعد ٢٠٢٢/١٠/٣١، كما حصل بالفعل. بحيث كان يتعيّن على المعارضة تحسباً لهذه الوضعية الدستورية المرتقبة والمرجّحة جداً أن تشارك في تشكيل تلك الحكومة. غير أنها إمتنعت عن فعل ذلك لخطأٍ في التقدير منها. ظناً بأنها تسترضي شعوبها والجماهير الثائرة إثر ثورة ٢٠١٩/١٠/١٧، وهي على عتبة الانتخابات النيابية التي وقعت في ٢٠٢٢/٥/١٥.
فكان من نتيجة ما تقدّم أن أضحت البلاد ممسوكة من الفريق الممانع في ظلّ الأزمة المستعصية التي حلّت على المنطقة العربية بأسرها، ما ادّى الى إستبعاد ملىء الشغور الرئاسي، لأمد قد يطول. بخاصة وأنه تقع خلافات عميقة داخل هذا الفريق حول الشخصية الأكثر أهلية او قرباً من حزب الله حتى يرخِّص لها هذا الأخير بتبوُّء المنصب الرئاسي الأول.
كلّ ذلك إنما ينمّ عن قصور جدّي في الرؤيا السياسية عند المعارضة. وإلاّ، عن تواطئها في الباطن مع الفريق الممانع وتوزّعٍ للأدوار في ما بينهما.
ذلك أن المعارضة إياها تعمل لفظياً وخطابياً ضمن سقوف تسترضي بها شعوبها او هي كافية لتضليلهم، من دون أن تكون مجدية او مؤثرة في المسار الوطني العام. بحيث تبقى البلاد رهينة خيارات حزب الله وإستراتيجية الجمهورية الاسلامية الإيرانية، إنطلاقاً من أراضي الجمهورية اللبنانية وعلى حساب أبنائها في أرواحهم وأرزاقهم.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها