المصدر: صوت لبنان
في قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي في لبنان
في قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي في لبنان:
١- لقد تظهّر إثر اندلاع ثورة ٢٠١٩/١٠/١٧ أن الدولة اللبنانية ومصرف لبنان قد أفرغا، على مدى سنين، المصارف من سيولتها المكوّنة من ودائع المودعين لديها. بحيث لم يبقَ لها من تلك السيولة الاّ عشرة بالمئة (١٠٪) من حجمها الإجمالي.
٢- وها هي الدولة إياها التي أوقعت المصارف في حالة شحّ في سيولتها، قسراً وبموجب قوانين اقتراض كانت تصدرها تباعاً، تعمد حالياً الى إعتبار تلك المصارف في وضعية غير سليمة. فتقرّ مشروع قانون يرمي الى اعادة هيكلتها عن طريق الترخيص للهيئة المصرفية العليا، بعد إجراء تعديل على تكوينها، بأن تعتبرها قابلة لتصحيح أوضاعها او غير قابلة لذلك، فتعمد الى شطبها حينئذ من لائحة المصارف العاملة والسير بتصفيتها.
٣- حتى يتبدّى من مجريات الأحداث ووقائعها الثابتة أن الدولة العميقة في لبنان قد تعمّدت هدم القطاع المصرفي عن طريق تجفيفه من سيولته لغرض وضعه تحت مقصلة قانون إعادة هيكليته، تمهيداً لاستبداله بقطاع آخر يحمل هوية جديدة غير تلك التي ميّزته على مدى قرن من الزمن. وهذا هو السلوك ذاته الذي اعتمدته حكومة الرئيس حسان دياب الممانعة في مشروعها الاقتصادي الانقاذي للبنان.
٤- ولو كانت نية الدولة العميقة غير ذلك، لأصدرت قانوناً وحيداً دون سواه، يرمي الى إعادة ترتيب الانتظام المالي في لبنان. تقرّ بموجبه بمقدار مديونيتها ومديونية مصرف لبنان للمصارف، وتضمّن أحكامه جدولاً زمنياً ملزماً لايفائها. وذلك حتى تستعيد تلك المصارف تدريجاً سيولتها فتُعيد للمودعين ودائعهم، فيستعيدوا بدورهم وبالتتابع ثقتهم بها، فينجو القطاع المصرفي من الهلاك ويحافظ على هويته وتراثه وتاريخه.
٥- والملفت أن العهد الجديد للبنان لم يخرج حتى اليوم عن النهج الذي كان متّبعاً في العهد السابق. فإذ به يثابر على إقرار مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي كان العهد السابق قد عمل على إعداده في نسخته الأولى.
٦- الأمر الذي يُستفاد منه، أن لا تعديلاً جوهريّاً في معالجة الملفات الكبرى. وأن الدولة العميقة في لبنان ما زالت إياها وأن مقومات نظام الحكم المركزي في لبنان تبقى عاجزة عن إحداث نقلات نوعية في أداء الدولة، وعن إتمام إصلاحات جذرية في بنيتها.
٧- فإقرار مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي على خلفياته المشبوهة، كما نشر قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية على علاّته وعدم بصيرته، كما إقرار موازنة عام ٢٠٢٥ التي سبق وأعدّتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، قبل حرب ٢٠٢٣/١٠/٨، على قاعدة business as usual، والخاوية من أي تدبير إصلاحي او محفز على الإنتاج، إنما تشكّل كلّها دعسات ناقصة في ذمة “عهد بناء الدولة”. بحيث يبقى أن نرى ماذا سيكون مصير إتفاق ٢٠٢٤/١١/٢٧، لجهة كيفية تنفيذ بنوده، حتى تترسّم صورة العهد الجديد بشكلٍ متكامل.
القاضي السابق
والمحامي فرانسوا ضاهر
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها