المصدر: صوت لبنان
عن جماعة الحركة العربية السرية
يعالج كتاب المؤرخ شفيق جحا، “الحركة العربية السرية وجماعة الكتاب الأحمر”، خلفيات تأسيس هذه الحركة التي استمرت لعشر سنوات بسرية تامة، بين أعوام 1935- و1945، كردة فعل على ما كانت قد آلت اليه الأحوال السياسية في العالم العربي من تفكك وانقسام في تلك الحقبة من القرن الماضي.
يكتب انها حركة مقاومة لبعض العوامل الخارجية التي شكلت خطرا حقيقيا على الحركة القومية العربية وهددتها بالانحلال.
ما لفتني ان المخاطر التي تواجهها المنطقة منذ مطلع القرن العشرين، أصبحت الان أخطاراً وجودية وتهدد مصير بعض الدول وبقاءها.
المخاطر حينها تمثلت:
ـ بالهجمة الاستعمارية الغربية على العالم العربي، من اتفاقية سايكس – بيكو 1916، ووعد بلفور 1917، وانهاء الحكم العربي الفيصلي في دمشق 1920، واحكام السيطرة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا على الدول العربية.
ـ تقسيم العالم العربي الآسيوي الى عدة كيانات سياسية خاضعة للنفوذ الغربي، وإقامة الحدود بينها.
والعامل المؤسف الآخر، والذي نلاحظ آثاره حتى الآن، كان:
ـ مصالح الاسر العربية الحاكمة، والزعماء السياسيين القطريين، التي أصبحت مرتبطة ارتباطا وثيقا بوجود هذه الكيانات العربية المستقلة، ومرهونة ببقائها وديمومتها.
فقد صار هؤلاء الحكام والزعماء يشكلون، خلافا لما كانوا يدّعون، ولشعاراتهم العروبية الوحدوية الطنانة، الجهة الرئيسية المناهضة لأهداف القومية العربية العليا الحقة. والدليل شهادة مصطفى النحاس باشا رئيس وزراء مصر الأسبق الذي قال، انه اثناء المشورات التي اجراها عام 1944 بخصوص الوحدة لم يجد حكومة عربية واحدة مستعدة للتنازل عن ذرة من سيادتها واستقلالها لجامعة الدول العربية التي يراد انشاؤها، او لأي هيئة عربية سواها.
كما اختلفوا على الصيغة وطبيعتها، بعد ان اتفقوا أحزاباً وهيئات وقيادات على ان الهدف الأول والاساسي هو توحيد الحركة القومية العربية الشاملة من الخليج الى المحيط، ولكنهم اختلفوا على طبيعتها: موحدة او فيدرالية او كونفيدرالية، ملكية او جمهورية، علمانية او دينية، رأسمالية ام اشتراكية، يمينية ام يسارية؛
وهل تتكل على وحدتها واستقلالها على امكانياتها الذاتية، ام تنشد الدعم من الخارج؟ ومع أي خارج تتحالف؟ مع الدولة الشيوعية شرقا او الدول الديموقراطية غربا وغير ذلك…
حفّز هذا الوضع المؤسف لواقع العالم العربي في أوائل الثلاثينيات نفر من الشباب العربي المثقف، للقيام بعمل إيجابي.
فاتفقت نخبة منهم، بعد اتصالات ومشاورات واسعة، من لبنان وسوريا وفلسطين والعراق على عقد مؤتمر للبحث وتقرير الخطوات التنظيمية والعملية الواجب اتخاذها.
عقد المؤتمر سرا في بلدة قرنايل، قضاء المتن الأعلى في لبنان، في صيف 1933، وحضرته 50 شخصية، حوالي ربعهم تقريبا من اللبنانيين، دام ستة أيام، واسفر عن انجازين: “بيان المؤتمر التأسيسي” وتأسيس الحزب السياسي المعروف باسم “عصبة العمل القومي”.
كالعادة، سرعان ما دخلت العصبة في تنافس مع حزب “الكتلة الوطنية”، الأقوى والأكثر نفوذا في سوريا، الذي كان يناضل ضد الانتداب الفرنسي. ثم تطور الى نزاع علني مكشوف واتخذ طابعا شديد الحدة والعنف واندلعت الخلافات السورية. ما صرف قيادة العصبة عن الاهتمام بجوهر القضية القومية التي أنشئت من اجل معالجتها.
يذكرنا ذلك بالخلافات العربية الراهنة، خصوصا بين الفلسطينيين أنفسهم، فيما غزة تدمّر وتمحى عن الأرض.
يروي تقي الدين الصلح ان كل ذلك جعلهم يعترضون على العصبة في دمشق، وعلى السياسة الحزبية التصادمية الضيقة لتلك القيادة ورأوا انها ستدمر الكتلة والعصبة معا وتضعف النضال الوطني ضد الفرنسيين. لذلك قرروا بصمت وقف التعامل الحزبي مع القيادة في دمشق وأصبحوا بحكم المستقيلين.
في مقدمة من حاولوا ذلك، كاظم الصلح وتقي الدين الصلح التقوا مع محمد علي حمادة وعادل عسيران وفؤاد مفرج وغيرهم. الفوا مجموعة من عشرة واتفقوا على تأسيس “الحركة السرية العربية”، في جو من السرية التامة ودامت 10 سنوات.
تشير هذه التجربة التاريخية، اننا في العمق لا نزال نعاني من نفس الأوضاع، على أمل ان تتغلب القيادات العربية الشابة على استكمال، وانجاز مرحلة، تعاون حقيقي لوقف الحرب على غزة وحل الدولتين وإعادة بعض الوزن والتوازن للدول العربية.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها