المصدر: صوت لبنان
حلقة ما حاجتنا الى البطل؟
أهتم بوريس سيرولنيك، العالم والمحلل النفسي، كثيراً بالجيل الثالث من الشباب المهاجر في فرنسا، وكتب عدة كتب، منها “الجنة المسكرة والسعادة البطولية”، يتحدث فيه عن البطل ووظيفته.
يلاحظ انه في كلّ الثقافات، عندما يواجه مجتمع ما، أو مجموعة معينة من البشر، مشاكل ناتجة عن إهانة، أو عن تمزق اجتماعي، تبرز مباشرة لغة شمولية تتخذ أشكالا مختلفة بحسب الإطار الثقافي.
فالإهانة التي لحقت الألمان بسبب “معاهدة فرساي” بعد الحرب العالمية الثانية، وانهيار الدولة عند حدوث الأزمة الاقتصادية عام 1929 كانا السبب في بروز النازية. ولذا أخذت ظاهرة النزوع الى البطولة في الاستفحال وأصبح ادولف هيتلر بطلاً، بعد ان قدم نفسه كمنقذ للشعب الألماني المهزوم والمهان.
أما المؤرخ الفرنسي ميشليه فيقول:”عندما تبدأ الدولة بالإنهيار، تظهر الساحرات”.
في الشرق الأوسط، الكثير من الدول في حالة انهيار، فيلجأ الناس الى الطوائف والمجموعات الجهادية التي تتبنى خطابا دينيا متشددا وشموليا. ويبرز “المنقذ الذي يقول بإنه مستعد للموت”، والناس سيحبونه، وسيتعلقون به بعد أن يموت، وسيصبح البطل المحبوب.
ليس هناك من وجود دون محن او شدائد. الحياة ساحة معركة حيث يولد الابطال ويموتون كي نعيش.
لذا البطل الجريح حتى الموت ليس ضحية لأنه حارب كي ينتصر شعبه.
تظهر الملحمة التي تحكي عن المصائر البطولية عند فجر تكون الجماعة التاريخي، عندما تعي هذه الجماعة نفسها، وتخلق نماذجها وموديلاتها وتحتفل بنفسها عبرهم.
كل الثقافات تحتاج ابطالاً، إذ لا وجود لتاريخ من دون تراجيديا.
يكتسب البطل صفات استثنائية لسيرته الخارجة عن المعايير، مع نيته بجعلنا نستفيد منها. تنشأ بين المخلّص ومن يخلصهم علاقة تواطؤ انفعالي تقترب من الايروتيكية. نعشق الخضوع لمن يحررنا، ونسميه الاعتراف بالجميل؟ وسواء تعلق الامر بنبي او بسيد او مروض، خضوعنا هو الذي يعطي اثراً مطمئناً.
فبركة الابطال
عندما يحدث ان يموت البطل، تكون سيرة موته مؤثرة بحيث يظل حيا في فكر اولئك الذين اراد انقاذهم. لا تُغلَب الجماعة تماما، لأن باستطاعتها التماهي مع بطل، ربما يسمح لها بتحقيق الانتصار النهائي.
لكن هناك فرق بين البطل والسوبر رجل.
السوبر رجل يسيطر على الشعب ويفرض قوته، بينما البطل يطلب من الجماعة التواضع والطاعة للاستفادة من مزاياه المتفوقة. البطل يقدم رغبته بالموت كي يعيش شعبه. بينما السوبر رجل يجهل حاجات الذين يسيطر عليهم.
ايضا يستفيد السوبر رجل من الهيمنة على من يسيطر عليهم. يقيم علاقات قوة، بينما يفضل البطل الاغواء الملحمي والانسحار. وبينما لا تفكر الجماعة المسحوقة من السوبر رجل سوى على الهروب منه والتمرد عليه لسحقه بدورهم، نجد ان الشعب الذي خلصه البطل على استعداد للخضوع بسعادة تامة.
لا ينحني الشعب امام أي كان او اي مخلص. لوجود هكذا نمط من العلاقة يجب ان يكون الوضع تراجيدياً، وان يمتلك المرشح للبطولة، موهبة مسرحية. لا يمكنه ان يسيطر على انفعالات الحشد والتسبب بسخطها واثارة حماسته، إلا إذا كان قادراً على حركات صوت جهوري ويلبس ملابس البطل. يتمكن من خلق وضعية مشهدية مذهلة، تتراجع الافكار الى المستوى الثانوي والحشود تستجيب مثل رجل واحد، تجعلها الانفعالات متزامنة.
تحتاج الانظمة التوتاليتارية الى صناعة عدد كبير من الابطال، كي تنتج ادبا يغرق الحشود. تخترع حينها سير مكرسة لعبادة الملك او الاجداد. بعض الحكايات الرائعة والاغاني تشير الى ان الجماعة تنتسب الى تاريخ مجيد وان من سبقوا كانوا شجعاناً رائعين ومبجلين.
وعلى ضوء كل ذلك، وبعد تدمير غزة والجنوب اللبناني، هل يمكن اعتبار كلاً من السنوار ونصرالله، ابطالاً او سوبر رجال؟
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها