المصدر: صوت لبنان
لا تكرهوا شيئا، لعله خيرا لكم… عن الثورة السورية
الحرية هي عيش الروح، كما الخبز هو عيش الجسم (حسب التعبير مصري). فألف مبروك للشعب السوري، واللبناني أيضا، على الثورة التي تأخر نجاحها أكثر من عقد. ولو قيّض لها النجاح باكراً لوفّرت على الشعب السوري الوضع الجهنمي والكابوسي الذي مرّوا به، ولوفرت بعض مجازر صيدنايا. ولوفرت على لبنان التداعيات التي لا نزال نعيشها.
هذا، ولا عزاء بمقتل تلك القوافل من الشهداء، من سوريين ولبنانيين، سوى في الحفاظ على الحرية وفي ممارسة رقابة صارمة لعدم السقوط في نظام شمولي جديد.
يتخوف البعض من هذه الثورة. وهناك من يعتبر ان ما تقوم به اسرائيل في سوريا الآن، كدليل على ان حرب اسرائيل واعتداءاتها المستمرة على لبنان، كانت ستحصل، بمعزل عن افتتاح حزب الله للجبهة في 8 اكتوبر. دليلهم إعتداءات الاحتلال الاسرائيلي الحالية، وتدميره لمخازن الجيش السوري. الأصح السؤال لماذ اطمأنت اسرائيل وتركت السلاح بيد الأسد؟ أليس لثقتها بأنه لن يستخدمه سوى ضد الشعب السوري؟
يجري الحديث الآن عن توفر براهين ثابتة ووثائق عن وجود علاقات للأسد مع من كان يسميه “العدو الاسرائيلي”!! الأرجح انها علاقات مستمرة منذ أن جرى تسليم الجولان، قبل سقوطه عسكرياً، الى اسرائيل من قبل وزير الدفاع حينها حافظ الأسد.
والسؤال موجّه الى ايران وحزبها، كيف “لمقاومة إسلامية” نشأت لمحاربة اسرائيل والصلاة في القدس، ان تقبل التورط في الدفاع عن نظام مجرم؟ وقاتل لشعبه وعميل؟
يتخوف البعض الآخر من هوية قيادة الثورة، نظراً للتجارب السابقة، من ليبيا، مروراً بتونس ومصر وغيرها. حتى الآن يبدو، مما يصدر عن قيادات الثورة من تطمينات وقرارات حكيمة، تدل على الرغبة في الحفاظ على السلم وعلى وحدة سوريا واشراك كافة مكوناتها. والحفاظ على مؤسسات الدولة وهيكليتها. وفي إرادة بناء الدولة وارساء العدالة. مع ممارسات لا تنم عن سلوك عنصري او طائفي او مذهبي، يتمثل في الدعوة لعودة المهجرين قسراً.
ان مهمة الشعب السوري الآن الدفع لاعتماد دستور جديد، يؤمّن قيام نظام ديموقراطي تعددي يحفظ حرية الاعتقاد، وحرية الممارسات الدينية والعمل السياسي. ويقر بحقوق الاقليات الكاملة، ويضع آليات محاسبة ومراقبة تسمح للشعب السوري بممارسة سيادته التامة. ويعمل على تحقيق العدالة الانتقالية وعدم الافلات من العقاب، بمحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة مع رفض لعمليات الثأر والانتقام. عسى ان يتحقق الاستقرار والعيش المشترك؛ كما العودة الى الحضن العربي.
كما نرجو تحقيق علاقات جوار واحترام بين لبنان وسوريا.
من مؤشرات التفاؤل الاخرى، رفض سياسة الاجتثاث التي مورست في تجارب سابقة كالعراق. ان اعداد الموظفين في سوريا حوالي المليونين، والمنتمين الى البعث عدة ملايين. فتحت سلطة الديكتاتور لا يمكن الحصول على أي حق، من الحقوق الاساسية، عندما لا تنتمي الى حزب البعث الحاكم.
وكل ذلك يحتاج الى دعم المجتمع الدولي، كما الى دعم الدول العربية عبر مبادرات فاعلة، تختلف عن المواقف التي اتخذت عند احتلال العراق مثلاً.
تقول الآية الكريمة: لا تكرهوا شيئاً…
وسأحاول الرجوع الى قصة صينية قديمة لتفسير ما أقصده، كي ننتظر سير الاحداث.
في الفلسفة الشرقية الآسيوية عموماً، وعلى عكس الفكر الغربي، ونحن جزءا منه، يتسامحون مع النقد ويتقبلون وجهة النظر الاخرى. انهم اكثر تقبلا وسماحة، اذ يرون ان الآراء الاخرى لديها شيئا تقوله لهم. لأن الأمور ليست أما ابيض او اسود، وللحقيقة عدة اوجه.
انهم يبحثون عن التناغم. الأنا لديهم ليست منعزلة، انها مجموع الادوار التي نحياها في علاقة مع آخرين محددين. واذا نظرنا الى هذا على نحو جمعي فانهم ينسجون لكل منا نمطا فريدا لذاتية شخصية، بحيث اذا ما تغيرت بعض ادوارها فسوف يتغير الآخرون بالضرورة مما يجعل الفرد حرفيا شخصا آخر.
وهذه القصة القديمة لا تزال شائعة، وتعبر عن ذلك، فعسى ان تكون عبرة:
تحكي عن فلاح عجوز هرب حصانه الوحيد. ونظرا لان جيرانه يعرفون ان الحصان عماده الاساسي في حياته، توافدوا عليه لمواساته. وقال الشيخ تعبيرا عن رفضه لتعاطفهم معه:” من يعرف منا اين الخير واين الشر؟”
بعد بضعة ايام عاد الحصان، مصطحبا معه حصانا بريا. وتوافد اصدقاء العجوز مهنئين له. أيضاً قال العجوز:” من يعرف منا اين الخير واين الشر؟
وبعد مضي عدة ايام حاول ابن العجوز ان يمتطي ظهر الحصان البري، فأطاح به من فوق ظهره وانكسرت ساقه. وتوافد الاصدقاء تعبيرا عن حزنهم لمأساة الابن.
فقال العجوز من منا عرف اين الخير واين الشر؟. ومضت اسابيع معدودة، فأتى بعض رجال الجيش الى القرية لتجنيد جميع القادرين من الرجال اجباريا، على خوض حرب ضد مقاطعة مجاورة، وطبيعي ان ابن العجوز لم يكن لائقا للخدمة واعفي عنه.
وتمضي القصة طويلا على قدر صبر الجمهور على الاستماع. وتعبر عن موقف اساسي لدى الشرقيين من الحياة. العالم دائم التغير وزاخر بالمتناقضات. ونحن عندما نفهم ونقيّم وصف امر ما، فان هذا يستلزم وجود نقيضه، وان ما يبدو لنا اليوم حقا، ربما يكون نقيضا لما بدا لنا في ظاهره اول الامر.
وعسى ان تنجو الثورة السورية من المطبات. وان يعيد حزب الله قراءته وموضعته وبيانه التأسيسي.
وتكون فرصة للبنانيين للعودة الى التعقل والعمل على اعادة تأسيس دولة ديموقراطية تعددية. …
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها