حارث سليمان

الثلاثاء ٣٠ تموز ٢٠٢٤ - 18:31

المصدر: جنوبية

إمعان بالعبث ورهانات مستحيلة

تمعن التركيبة السياسية التي تقبض على مقاليد السلطة في لبنان، في ممارستها سياسة تقطيع الوقت، والعمل على استدامة مفاعيل الازمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي صنعتها، وادارت مراحلها، وانجزت نتائجها وتربحت من مكاسبها وعائداتها، لذلك يستمر الفراغ الرئاسي، وتستمر من خلاله أعمال تصريف الأعمال الحكومية، مشوهة، عاجزة ومنقوصة، وتتداعى وتنهار خدمات المرافق العامة في الاتصالات والكهرباء والانترنت، ويسود الشلل وتعم الفوضى في إدارات الدولة في دوائر المالية والدوائر العقارية وادارة السير، فتتفاقم أعمال الرشوة والفساد وانتهاك القانون وتبديد موارد الدولة ورسومها، فيما تتناقض وتتضارب أحكام القضاة في دعاوى الإيجارات السكنية ومهل اخلاء المأجور، وقيمة الزيادات المفروضة على الإيجارات، ويتحول قانون الايجارات غير السكنية الى لغز لا يفهمه الافرقاء الذي يعنيهم ولا الراسخون في العلم، وتظهر نتائج الامتحانات في الشهادات الرسمية، المدى الكارثي الذي وصل اليه، مستوى الشهادات الرسمية، فليس بامتحان يستحق اسمه، من تكون نتيجته نجاحا بنسبة ٩٠ بالمائة، انه حفل تهريج وحماقة، وهذه الفضيحة التي تمرر بشكل متكرر، هي امر مقصود فالمنظومة السياسية الحاكمة تكره الامتحان، وتعادي الكفاءة، وترتعب من المعايير وتحاول تدميرها، والامتحان والجدارة، هي قيود تعيق استباحتها لكل مقياس موضوعي في سعيها لجعل الولاء لها، ممرا وحيدا والزاميا، للدخول الى وظائف الدولة والترقي الاجتماعي والاداري.

فيما تستمر المعابر الحدودية الرسمية وغير الرسمية، سائبة يدخل ويخرج منها كل من يتحالف مع محور طهران سواء كان مدنيا او عسكريا، وسواء كان ايرانيا او عراقيا او أفغانيا او يمنيا، وذلك خلافا للقانون وموجبات السيادة اللبنانية، كما يتدفق من خلالها وبشكل مستمر الاف النازحين السوريين لأسباب اقتصادية، فيضيفون إلى أعباءِ الشعب اللبناني اعباءً جديدة، والى خراب لبنان وقائع الخراب السوري، و كما تبقى الحدود الجمركية مفتوحة لتهريب البضائع المستوردة او ممارسة الجريمة المنظمة كتبييض الاموال وتجارة المخدرات، كما تتوسع الفوضى في سوق الدواء، وتنعدم رقابة الجودة في سوق الغذاء… وتستقبل المستشفيات حالات تسمم بشكل اسبوعي تطال لبنانيين مغتربين نعموا بموائد مطاعم لبنانية مختلفة…

على خط آخر، تستمر غالبية المصارف في تجاهل حقوق المودعين والإمعان في سرقتهم، متجاهلة التعميم ١٦٤، فيما مصارف اخرى لم تسلف الدولة اية ديون تذكر، او ان تسليفاتها للدولة لا تتعدى عشرات ملايين الدولارات، ولا تشكل سوى اقل من ١٠ بالمئة من موجوداتها، تمتنع الإيفاء بالتزاماتها وواجباتها تجاه زبائنها ومودعيها، متضامنة بشكل جرمي واحتيالي مع المصارف المفلسة والمتعثرة، و المصارف هذه تمت سرقتها من ادارتها واصحابها علنا، ومازال القضاء اللبناني خجلا في ملاحقتها ومصادرة أملاكها، فيما تستمر مصارف اخرى مليئة وقادرة وغير مفلسة ولم تتورط في الهندسات المالية او تسليف الدولة اللبنانية، ديونا تشكل خطرا على سيولتها وملاءتها، وهذه المصارف قادرة على الإيفاء بالتزاماتها وتأمين ودائع زبائنها، بعضها بشكل فوري والبعض الآخر بشكل تدريجي خلال سنوات قليلة، لكن تخاذل مصرف لبنان وتواطؤ المنظومة السياسية وسيادة منطق وحدة العصابة، وتضامن الاشرار لدى جمعية المصارف تمنع ذلك.

وتراهن عصبة الاشرار في المصارف على حملات إعلامية لتضليل الرأي العام وجمهور المودعين للتنصل من مسؤولياتها والتزاماتها تجاه القانون والمودعين، والقاء كل المسؤولية على جهات أخرى، وتنبري مواقع واقلام ومحطات تلفزة وخبراء مال، لتزوير الوقائع، والدعوة الى عودة الثقة! اي عودة ثقة المنهوبين بمن نهبهم، وتحريف القوانين من اجل ذلك….

و تمنع جمعية الأشرار في المصارف، من خلال نفوذها في مجلس النواب ولدى الأحزاب الطائفية، اي إجراء مالي يعيد هيكلة القطاع المصرفي والتدقيق في حسابات كل مصرف، والكشف على موجوداته الفعلية وأملاك حاملي أسهمه داخل لبنان وخارجه، و تحاول التنصل من التزاماتها والتغطية على نهبها لزبائنها، بتشريع قوانين ظاهرها الدفاع عن حقوق المودعين و جوهرها وحقيقتها إبراء ذمم أصحاب المصارف وإداراتها من مسؤولياتهم وارتكاباتهم والتغطية على سرقاتهم ونهبهم لودائع مصارفهم.

ومراهنة المصارف المفلسة ماليا تتشابه وتتطابق مع مراهنة المنظومة السياسية المفلسة أخلاقيا وسياسيا، فالمنظومة هذه، لا تعد باية حلول، ولا تخطط لاي تدبير او اجراء يسهل حياة المواطنين ويخفف من اعبائهم، ولا تقوم سلطتها بتسيير الأعمال الضرورية اليومية الروتينية، بل تتركها عرضة للانهيار والإفساد والتآكل، ولا تقوم باعمال الصيانة والنظافة لاي مرفق من مرافقها او إدارة من إداراتها، لا تملك اية فكرة لتطوير أي نشاط من أنشطتها، كل ما تفعله استدامة بقائها واستمرار قبضتها على البلاد والعباد فقط،
المنظومة السياسية التي فقدت احترامها وهيبتها امام دول العالم، والتي انكشفت صورتها امام رعاتها في الاقليم كطبقة فاسدة مفسدة، تامل وتنتظر ان يصل العالم الى الياس والاحباط من قدرة شعب لبنان على تغييرها بمنظومة أخرى، كما تأمل بان تقتنع دول العالم من استحالة تغيير سلوكها وممارساتها المشينه، وهي تنتظر ان تستعيد بهاء صورتها وعلاقاتها مع الخارج، وان تعوم نفوذها، مصرة على غبائها وعلى استغباء شعب لبنان ودول العالم اجمع.
تدرك المنظومة بفرعيها السياسي الطائفي والمالي المصرفي ان حمايتها وضمان استمرارها هو قوة حزب الله واستعداده لاستعمال العنف لحمايتها، كما فعل مع انتفاضة ١٧ تشرين، ولذلك هي حريصة على مرضاته وعدم ازعاجه، تارة تعلن الخوف من جبروته، وطورا تحتج على تفرده وعدم مشاركتها بخياراته، وفي جميع الاحوال تبقى سياساتها قاصرة عن اي تأثير او فاعلية.

على خط آخر يستمر ح ز ب ا ل ل ه في حرب افتتحها عنوة عن دولة لبنان وسلطاتها الدستورية، وزعم انها من اجل مساندة غزة واشغال جيش العدو في الحرب عليها.
والسؤال المطروح اليوم، على ح ز ب ا ل ل ه وحلفائه، ما هي تأثيرات معركة المشاغلة التي خاضها حزب الله على مجريات الصراع في غزة، بعد انقضاء حوالي عشرة اشهر على انطلاقتها !!؟
الجواب ان هذه الحرب لم تغير من مجريات معركة غزة، ولم تمنع اسرائيل من ارتكاب كل الجرائم التي ارادتها ونفذتها، وتم تصنيفها كجريمة ابادة جماعية، فعلام الحرب في جنوب لبنان والام الحرب على حدودنا!؟
سيما أن انسحاب ح ز ب ا ل ل ه الى شمالي ١٠ كلم من الخط الازرق فوق الارض، قد قدمته ايران الى اميركا كالتزام منها منذ عدة اشهر، وقد اعلن وزير الخارجية اللبنانية عبدالله ابوحبيب ذلك، وهو امر معروف في دوائر الديبلوماسية والمفاوضات، وسيتم تنفيذه في لحظة انجاز وقف اطلاق نار في غزة…
يرفض نتنياهو ذلك، ويسعى لتخريب كل الاتفاقات التي يجري ترتيبها في غزة، ويريد الاستمرار بحربه عليها الى اطول فترة ممكنة، كما يسعى لاستمرار الاشتباك مع ح ز ب ا ل ل ه بعد وقف اطلاق النار في غزة ان حصل… فعلام الحرب في جنوب لبنان اذن! اذا كنتم ستنسحبون!

أخيرا ليست الجولان ارضا اسرائيلية وليس اطفال مجدل شمس مواطنين في دولة اسرائيل، وهم ليسوا يهودا يحملون هويات اسرائيلية، بل مواطنين عرب سوريين، يخضعون لجيش محتل، قضية مجدل شمس، والحرص الاسرائيلي المستجد على حياة الاطفال، تكذبه مذبحة غزة منذ عشرة أشهر، وهو ليست الا ذريعة لاستمرار حرب الابادة في غزة وادامة الاشتباك في جنوب لبنان، وتهليل بعض الاعلام وبعض السياسيين لرد اسرائيلي؛ سخيف وخفيف وتافه.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها