المصدر: صوت لبنان
في السرديّة المعقودة بإتفاق 27/11/2024
إن الموقّعين على إتفاق 27/11/2024 الذين هم: من جهة دولة إسرائيل، ومن جهة مقابلة حزب الله وحلفاؤه، وقد أبرماه بضمانة الدولة اللبنانية، وبرعاية أميركية فرنسية (مقدمة وبند 13)،
قد توافقا “على إنهاء مستدام للتصعيد الحالي للأعمال العدائية”، وهما “مستعدان لاتخاذ خطوات لتعزيز الظروف المؤدية الى حلّ دائم وشامل”(مقدمة)، لغرض “تحقيق السلام والأمن الدائمين” في ما بينهما (بند 3). كما ويمتثلان “للتنفيذ الكامل لقرار مجلس الامن الدولي رقم ١٧٠١ … وللقرارات السابقة له” التي تعيدهما الى اتفاقية الهدنة لسنة 1949.
كما وتوافقا أيضاً، على “نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان”. بحيث تضحي “القوات الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح في لبنان هي القوات المسلحة اللبنانية…”(مقدمة)، ما يفيد بأن حزب الله وحلفاءه قد تخلّوا عن “أعمال المقاومة” ضد إسرائيل، بفعل ارتضائهم تمكين السلطات الشرعية اللبنانية من نزع سلاحهم عن كامل الأراضي اللبنانية (مقدمة)، ما يؤكد على تخلّيهم عن تبعيّتهم لمشروع الجمهورية الإسلامية الايرانية في المنطقة العربية إنطلاقاً من تلك الأراضي وموافقتهم على الانخراط في “مشروع بناء الدولة”.
بحيث لم يعد من مكان للكلام او للتوافق على أي “استراتيجية دفاعية” بين حزب الله وحلفائه والدولة اللبنانية، بعدما تكون هذه الأخيرة قد بسطت قواها الشرعية على كامل التراب اللبناني (مقدمة).
حتى بات يتعيّن على دولة إسرائيل الانسحاب بدورها من كامل الأراضي اللبنانية، بعدما أصبح أمنها في الجليل الأعلى وعلى حدودها الشمالية مع لبنان مصاناً، ولم يعد من مبرّر لأن تبقيَ لها نقاط مراقبة ضمن تلك الأراضي أو لأن تبقى محتلّة لأي شبر منها (بند 12).
فإتفاق 27/11/2024 قد أنهى حالة العداء وأوقف نهائياً الأعمال الحربية بين دولة اسرائيل والمقاومة الإسلامية في لبنان. وثبَّت تلازماً بين تخلّي حزب الله عن سلاحه في كامل الأراضي اللبنانية وإنسحاب اسرائيل من كامل تلك الأراضي.
على إعتبار أن الدولة اللبنانية هي مؤتمنة على تنفيذ بنوده (بند 7). بحيث “تتولّى منع حزب الله وجميع الجماعات المسلّحة الأخرى في الأراضي اللبنانية من القيام بأي عمليات ضد اسرائيل” (بند 2). كما تتولّى كذلك مهمة نزع سلاحهم من كامل الأراضي اللبنانية (فقرات (أ) و (ب) و(ت) بند 7) ومطالبة المجتمع الدولي بمؤازرتها ديبلوماسياً على تحرير أراضيها من أي تواجد لإسرائيل عليها، في حال تلكأت أو تأخرت او تمنّعت عن فعل ذلك.
بنـــاءً على ما تقدّم، يكون على حزب الله وحلفائه، إنطلاقاً من بنود إتفاق 27/11/2024، أن يبادروا الى تسليم سلاحهم الى الدولة اللبنانية (بندان 6 و7) حتى يُسقطوا كلّ ذريعة لإسرائيل لإحتلال أراضيها، فتتمكّن حينئذٍ من إستخدام شرعيتها الدوليّة للمطالبة بخروجها منها.
أما “السرديّة المعاكسة” التي يستخدمها حزب الله وحلفاؤه والتي تقوم على إخراج إسرائيل من الأراضي اللبنانية أولاً بأول، وعلى التمسّك بسلاحه شمال الليطاني، وبحقّه في المقاومة، وبعدم تسليمه الى السلطات اللبنانية، وبضرورة إبرام استراتيجية دفاعية معها من أجل تقرير دور هذا السلاح ومصيره في ظل مطامع إسرائيل المفتوحة في لبنان، فمن شأنها أن تبقيَ البلد على ذات السرديّة التي ساقتها المقاومة الاسلامية، منذ صدور القرار 1701 في سنة 2006، والتي ادّت الى التهيئة والإعداد والتحصّن والتسلّح لإعادة إطلاق الأعمال الحربية من قبلها ضد العدو الاسرائيلي في 8/10/2023، بناءً على إمرة الجمهورية الاسلامية الايرانية، لتلك المقاومة.
الأمر الذي سيبقي لبنان بأسره في رأس المواجهة بين المشروع الإيراني الممانع ودولة إسرائيل، إنطلاقاً من أراضيه. مما سيضع العهد الرئاسي الجديد، بكل سلطاته الدستورية، في مصاف العهود التي سبقته. حيث تملي المقاومة الإسلامية سرديّتها على الشعب اللبناني، وتستجرّ السلطة الشرعية اللبنانية على إعتناقها وتبنّيها والسير بمقتضياتها.
وهذا ما يبدو حاصلاً حتى اليوم.
من هنا، كان يتعيّن، كما أسلفنا تكراراً، عدم إعادة تكوين السلطات الدستورية في البلاد، إثر إتفاق 27/11/2024، بانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية وتأليف حكومة جديدة، بل الذهاب مباشرة الى عقد “مؤتمر وطني”، يطرح مسألة مدى إلتزام حزب الله وحلفائه بتنفيذ الإتفاق المذكور من عدمه. فيتحدّد، في ضوء نتائجه، مصير الكيان اللبناني ومصير العيش المشترك فيه، كذلك طبيعة النظام السياسي الذي يوائم تركيبته المجتمعية والعقائدية التعدّدية.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها