المصدر: صوت لبنان
تأثير التغيرات العالمية على لبنان والمنطقة… لبنان بين انتخاب ترامب والقمة العربية الاسلامية
تمهيد: يشكل انتخاب ترامب برأي المؤرخ هراري، قطيعة تامة؛ وقد يعني سقوط النظام العالمي الذي عرفناه خلال عدة عقود، النظام المبني على قواعد وقيم ليبرالية. وهو يخشى ان يقود ذلك الى أنظمة توتاليتارية، لأ الذكاء الاصطناعي، بقيادة ايلون ماسك، يهدد بامكانية ملاحقة كل مواطن، في كل لحظة. هذا هو الخطر الذي يحمله القرن الحادي والعشرين، ” إمكانية خلق أنظمة رقابة تامة”.
أما فوكوياما فيرى ان الليبرالية الكلاسيكية، المبنية على احترام الكرامة المتساوية للأفراد، من خلال حكم القانون الذي يحمي حقوقهم، وقدرة الدولة على التدخل في هذه الحقوق، تعرضت لتشويهين كبيرين في العقود الأخيرة، وكانت النتيجة هي دونالد ترامب. التشويه الأول: تقديس الأسواق وتقليل قدرة الحكومات على حماية المتضررين من التغيير الاقتصادي. والتشويه الثاني صعود سياسات الهوية أو ما يطلق عليه حركات “الوك” او اليقظة”، فلم تعد السلطة لخدمة العدالة، بل لتعزيز نتائج اجتماعية محددة لمجموعات خاصة، وإعلاء “مفهوم السيولة الجندرية” أي الجنس.
يحصل ذلك في لحظة يمرّ فيها العالم بمرحلة انتقالية نحو نظام متعدد الأقطاب، حيث تتزايد الأدوار العالمية لدول كالصين وروسيا وحتى دول إقليمية كالهند وتركيا. قد يكون لإعادة انتخاب ترامب، تأثير مزدوج على هذه العملية وعلى منطقة الشرق الأوسط. فيؤدي انتخابه إلى تسريع التحول نحو التعددية القطبية، إذا قرر ترامب اتباع نهج أكثر عزلة، حيث تضعف الولايات المتحدة بشكل ما قبضتها على مناطق النفوذ التقليدية، مما يعطي الفرصة لدول كالصين وروسيا لتعزيز نفوذها في مناطق متعددة. ونتيجة لذلك، قد تشعر بعض القوى الإقليمية، مثل إيران وروسيا، بفرصة أكبر للتأثير على مسار الحرب والنفوذ الإقليمي.
قد يواجه لبنان عندها، تحديات كبيرة نتيجة لتشابك الأوضاع الإقليمية والدولية. ان إبقاء الصراع الدولي والإقليمي في المنطقة سيزيد الضغط عليه، ما يضعفه كضحية للتجاذبات الخارجية بين الأطراف الأقليمية المتصارعة، بشكل أكبر.
لكن حصل بالمقابل تطور مهم، بروز قوة اقليمية عربية – اسلامية، بقيادة السعودية ذات الدور المتنامي، ساهم باتخاذ موقف موحد حول القضية الفلسطينية والحرب على لبنان.
فقد اعلن وليّ العهد السعودي خطاباً تأسيسيا لمرحلة جديدة في الشرق الأوسط، أدان فيه الجرائم الاسرائيلية التي تقوض جهود تحصيل الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، واحلال السلام. وذلك بالتمسّك بإنشاء دولة فلسطينية، ووقف سياسات التوسّع الاسرائيلية، كما سياسات ايران الايديولوجية والتوسعية. في نفس الوقت عملت السعودية على التقارب مع ايران في محاولة لتكريس استقرار اقليمي للخروج من منطق الصراعات.
تبنت السعودية سياسة توحيد المواقف العربية والإسلامية، علّها تتمكن من استثمار علاقاتها مع واشنطن لتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، وخصوصًا في القضية الفلسطينية. فقد يكون ترامب على استعداد للاستماع للمبادرات التي تقترحها السعودية، خصوصا اذا أقنعته بأن حل القضية الفلسطينية أو التهدئة في المنطقة سيساهم في تعزيز موقع اميركا، ويعزز بالتالي المصالح الأميركية ويضمن تعاونًا في مجالات الأمن والاستثمارات.
هل سيستفيد لبنان من هذا الوضع الاقليمي الذي يتبلور تدريجياً؟
يمكن تلخيص تأثير التغيرات العالمية على لبنان والمنطقة، وأثر القيادة السعودية في القمة العربية الإسلامية الأخيرة، بالنقاط التالية:
ان التحول من نظام عالمي تهيمن عليه الولايات المتحدة إلى نظام متعدد الأقطاب، يعزز الفرص لقوى كالسعودية بأدوار أكبر وتولي زمام المبادرات الإقليمية؛ ويترجم ببروز قوة ناعمة سعودية، توظفها لبناء نفوذ متوازن ومؤثر. إلا أن نجاح هذا التأثير يعتمد على مدى تجاوب الولايات المتحدة ومدى قدرة الدول العربية على تجاوز خلافاتها لتحقيق موقف موحد ومستدام.
فإذا توصلت السعودية الى التنسيق مع واشنطن، فربما تدفع ترامب نحو تبني خطوات لتعزيز السلام والاستقرار، مستفيدةً من العلاقة المتينة بين البلدين، وربما تدفع الولايات المتحدة نحو سياسات أكثر توازنًا في قضية فلسطين ولبنان.
إذن قد تتيح التغيرات العالمية المتسارعة، فرصًا جديدة للبنان. إلا أنها قد تزيد أيضًا من تعقيد التحديات التي يواجهها في ظل التنافس الإقليمي والدولي.
اما روابط ترامب العائلية بلبنان، عبر زوج ابنته، فقد تلعب دوراً بفتح باب إضافي للمناقشات حول دعم لبنان. خاصةً إذا كان والد الزوج مستشارًا لترامب ولديه اهتمام بالمساعدة. رغم أن التأثير العائلي وحده قد يكون محدودًا، لكنه قد يعزز تفهم ترامب لقضايا لبنان ويزيد من فرصه لاعتبار لبنان ضمن اهتماماته.
الأمر الاخر، ان بناء الولايات المتحدة لأكبر سفارة لها في العالم، قد يعني أن واشنطن ما زالت ترى أهمية استراتيجية للبنان، سواء كقاعدة لجمع المعلومات أو كنقطة تأثير سياسي وأمني في المنطقة. هذا التواجد قد يحقق هدفين: الإبقاء على نفوذ أميركي طويل الأمد في ظل التنافس العالمي، والتمتع بقاعدة متقدمة لمتابعة التطورات الإقليمية وتفعيل الأمن والاستخبارات.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها