المصدر: صوت لبنان
الحكم المركزي ليس إصلاحيّاً ولا بنّاءً
على مدى قرن ونيف لم يعرف لبنان إستقراراً ولم يتمكّن من إنشاء دولة عادلة ولم يحافظ على سيادة ولم يرسِ طمأنينة.
إذ شكّلت مطالب الطوائف الإسلامية، التي رمت دوماً الى إعادة توزّع الصلاحيات والنفوذ والقوى في السلطات الدستورية المركزية، الأرضية المستدامة لكل ما عانى منه هذا البلد وما وصل اليه من أوضاع.
وقد كانت تنتهي كل مواجهة حول إعادة ترتيب الصلاحيات الى تسوية يتنازل فيها المسيحيون عن جزء من مواقعهم الدستورية وبعض من المناصب المحفوظة لهم، من خلال فرنسا كدولة منتدِبة، لصالح شركائهم في الوطن، فتخدُمَ تحقُّقَ إستقرارٍ هشٍّ يدوم لحقبة من الزمن، حتى تندلع أزمة حكم جديدة، بفعل إستجرار النفوذ الخارجي لصالح فريق في الداخل اللبناني.
من هنا، كانت حقبة السنيّة السياسية التي بزغت عقب نشأة لبنان الكبير في الأول من أيلول سنة ١٩٢٠، فأولدت الميثاق الوطني في سنة ١٩٤٣. وإستمرت على هذا المنوال من الخضات والمطالبات والتصدّعات المتعاقبة، في سنة ١٩٤٨ (الحضّ على إستقبال اللاجئين الفلسطينيين) و ١٩٥٨ (إستقدام العروبة الناصرية) و ١٩٦٩ (توقيع إتفاق القاهرة والترخيص للعمل الفدائي من الجنوب اللبناني) و ١٩٧٥ (الانقلاب على نظام الحكم في لبنان) و ١٩٩٠ (إسقاط صلاحيات رئيس الجمهورية بدستور الطائف)، حتى إغتيال رمز هذه السنيّة التاريخي، الشهيد دولة الرئيس رفيق الحريرى، على يد الشيعيّة السياسية التي أرادت الحلول مكانها.
بحيث تمّ بالفعل نقل البلد الى حقبة الشيعيّة السياسية التي تولاها الثنائي الشيعي، حركة أمل وحزب الله، برعاية وحماية وضمانة ودعم الجمهورية الاسلامية الايرانية. وقد كان من إنجازاتها البارزة إقحام لبنان بأسره عنوةً وقسراً في حربين عبثيتين، الأولى في ١٢ تموز ٢٠٠٦، والثانية في ٨ تشرين أول ٢٠٢٣، مع ما إستتبعتهما من دمار ومآسي، وما إستلزمتهما من إغتيالات وتصفيات وشيوع موبقات وإنهيارات على كافة الصعد وفي شتى المجالات، على مدى عقدين من الزمن.
غير أن الإنهاك الذي أصاب الكيان، عبر كل هذه المراحل والتجارب والصدمات، لا يجعله يحتمل أي تسوية جديدة بعد إتفاق ٢٠٢٤/١١/٢٧، ولا أي تنازلات إضافية في الصلاحيات الدستورية ولا أي صراعات داخلية ولا أي حروب جديدة للآخرين على أراضيه.
حتى بات لزاماً على جميع اللبنانيين التوافق على فضّ هذه الشراكة الوطنية وفسخ ميثاق العيش المشترك والسير بنظام إتحادي كونفدرالي يعطي كل مجموعة سكانية متجانسة عقائديّاً وطائفيّاً وثقافياً حق العيش بطمأنينة وأمان وإستقلال وحرية. لأنه استكفينا حكماً مركزيّاً معتوراً والتصاقاً متفجّراً ولُحمةً مزيّفةً وغلبةً مرفوضةً وتنازلات لامتناهيةً، أثبتت عقمها وعدم جدواها في بناء وطن
جامع لأبنائه المقيمين على أراضيه.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها