play icon pause icon

منى فياض

الأثنين ٢٧ كانون الثاني ٢٠٢٥ - 09:16

المصدر: صوت لبنان

الأطفال أولويتنا: العمل لاستعادهم هوية وولاء وطنيين

أقنعنا خطاب رئيس الحكومة المكلف، إمكان ان يشكل مع رئيس الجمهورية، وربما لأول مرة، فريق عمل يمكنه التعاون بشكل متكامل. إذ بدا خطابه كاستكمال لخطاب القسم.
ما نتمناه ان يتمكن هذا الثنائي من إنجاز ما وعدا به، والتغلب على الصعاب والأفخاخ المزروعة؛ ومقاومة الضغوطات لحفظ المحاصصات الطائفية والسياسية المعهودة. ان القديم المهترئ على اختلاف أنواعه، سيكافح لإبقاء الدولة في الحفرة التي وضعوا لبنان فيها، وجعله دولة – اللادولة المنهارة. والذي لم تعرفه أي دولة اخرى في العالم.
الحقيقة أن الأزمات والتحديات والمشاكل التي يواجهها لبنان – اللادولة كثيرة ومعقدة. ونرجو عدم التنازل عن الإصلاحات والمعالجات، التي ذكرها الرئيس عون في خطاب القَسَم، لحل الأزمات والمشاكل التي يعانيها لبنان في الوقت الحاضر.
ما لفتني أيضاً في خطاب رئيس الحكومة المكلف، الاهتمام الذي أولاه للصروح التربوية. جعلها ثالث المهام التي وضعها لمعالجة آثار الحرب الهمجية على لبنان. بعد إعادة الاعمار واحياء المؤسسات.

إن الفترة الراهنة في لبنان تتطلب مراجعة عميقة لمستقبل الأجيال القادمة. لأنها تعرضت في الحرب الاسرائيلية المدمّرة لإصابات جسدية ونفسية كبيرة، وقبلها لتجارب مؤلمة. ومنهم من تعرض لغسل دماغ أعاق بالأخص، اكسابهم للحس والانتماء الوطنيين؛ في ظل الانقسام العمودي والأزمات والتحولات السياسية الراهنة التي تغرق البلاد.
كل ذلك أصاب أطفالنا بندوب نفسية وعاطفية تعيق نموهم، وتعيق تمكينهم وإكسابهم المهارات العلمية والتربوية اللازمة.
إن إعادة النظر بوضع وزارة التربية، ووضع الخطط للمؤسسات التربوية هي اولوية الأولويات. خصوصاً بعد الجدال المفزع والمقلق الذي جرى بين الصبيين المنتميين الى فريقين سياسيين مختلفين، ومن طائفتين مختلفتين. بيّنا لنا الى أي حد تعرضت الهوية الوطنية للرضوض لصالح الهويات الفرعية.
جدالهما القى الضوء على بعض أمراضنا، التي ساهم فيها، عدا البيئة، الوضع التربوي، الذي يعاني من ضمور وضعف شديدين، نتيجة لسيطرة قوى الأمر الواقع على التعليم، وتوجيه المناهج بطريقة تخدم أجنداتهم الحزبية والمذهبية. وهذا بحد ذاته يشكل خطرًا كبيرًا على هوية لبنان كدولة ديموقراطية متعددة ومنوعة. وكل هذا يتناقض مع أي مشروع لتحقيق الاستقرار الداخلي.
ان مستقبل لبنان يتوقف على اعادة تنشئة هؤلاء الاطفال، لاستعادتهم كمواطنين لا ولاء لهم الا للوطن. الذي بدا من توجه الرأي العام، ان الجميع تقريباً، يرغب في جعله وطنا يستحق هذا الولاء.

في هذا السياق، إن أي تغيير حقيقي في لبنان كي يكون جادًا وجذريًا، لا يمكنه ان يقتصر على الانتقال من مرحلة سياسية إلى أخرى، بل بجعله يمتد ليشمل أبعادًا تربوية أساسية، تضمن انتقال الأجيال القادمة إلى المستقبل، دون أن تبقى عالقة في أيديولوجيات محورية تلغي النقاش المعرفي والنقدي.
العهد الجديد في لبنان، ليكون مؤثرًا وواقعيًا، لا بد من ان يولي التربية والتعليم الأهمية القصوى، وجعلها جزءاً رئيسياً من استراتيجياته السياسية. فالتعليم ليس مجرد عملية أكاديمية، بل هو أداة حيوية لبناء عقول قادرة على التفكير النقدي، ورفض التحيزات التي تفرضها الأيديولوجيات المتشابكة، سواء تلك التي تروج للطائفية، أو لتصورات بعيدة عن واقع لبنان المتنوع.

إن استهداف الأجيال بالشكل الذي حدث حتى الآن، من خلال خطاب سياسي يعتمد على التفريق والصراعات المذهبية، يعزل الجيل الجديد عن فهم القضايا الحقيقية للوطن، مثل بناء المواطن الذي ولاءه الأولي للوطن، ويدربه على حس العدالة، وعلى أهمية التنمية المستدامة، وعلى ضرورة الحوار بين مختلف مكونات المجتمع.
المشكلة الأساسية تكمن في أن الأجيال الجديدة، قد يكون معظمها قد تربى، ضمن بيئات تحمل فكرًا منغلقًا أو مدفوعًا بإيديولوجيات تقيّدها. بالتالي، العمل التربوي يجب أن يرتكز على إصلاح المنظومة التعليمية، وجعلها منصة للحرية الفكرية والبحثية، حيث تكون الأولوية لبناء قدرات الشباب على التفكير النقدي الموضوعي والعمل الجماعي.
من الجوانب التربوية الأخرى التي يجب الاهتمام بها هي نقل ثقافة المسؤولية، حيث لا يكفي أن تكتسب الأجيال معلومات، بل يجب أن تتعلم أيضًا كيفية تحمّل المسؤولية في المشاركة المجتمعية، وتكوين الآراء المستقلة من خلال الحوار المفتوح والتنوع الفكري. وهي أساسيات لحياة سلمية، ومنهجية تخرجنا من دائرة الاستقطاب والجمود السياسي والتفكير المُغلق.

ختامًا، إن دور التربية هو مصيري في أي مرحلة انتقالية، خاصة في بلد كلبنان يعاني من تداخلات سياسية طائفية. إن أنظمة التعليم يجب أن تساهم في تمكين الطلاب، ليس بالايديولوجيا، بل بالقدرة على التمييز بين الحقيقة والخطاب الدعائي الزائف، لنعبر بذلك عن أمل حقيقي للخروج من الأزمات السياسية، ولنحقق مجتمعًا متزنًا قادرًا على اتخاذ قرارات فاعلة وناضجة ترتكز على الفهم العميق لمصالح الوطن.

ملاحظة: شكرا للإعلامية كارين سلامة على اثارتها المشكلة، بدل تخبئتها، كجميع اوساخنا، تحت السجادة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها