play icon pause icon
منى فياض

منى فياض

الأثنين ٢١ تشرين الأول ٢٠٢٤ - 09:52

المصدر: صوت لبنان

عن معاهدة الهدنة, وإيقاظ الوحش كحكاية السندباد مع الجزيرة العائمة

يحكى انه في احدى رحلات السندباد ورفاقه، وبعدما ابحروا طويلاً وضاعوا في المحيط، لمحوا جزيرة عن بعد، فأسرعوا اليها بحثا عن الخلاص. نزلوا فيها وارتاحوا في ظل اشجارها وارتووا من مائها، وأشعلوا ناراً ليعدوا طعامهم. وفجأة بدأت الجزيرة تهتز وتتحرك، فوقعوا وتبعثر طعامهم. فأسرعوا مغادرينها الى مركبهم. ثم تبين لهم ان الجزيرة كانت حوتاً نائماً أيقظته نيرانهم. لم يستطع السندباد من ركوب السفينة، وعانى الأهوال قبل ان تقذفه الامواج، الى جزير قفر نائية. حيث سيبدأ مغامرة جديدة.
أشبّه حالنا في لبنان بحال بحارة المركب والسندباد، لكننا لم نتبين بعد طريق نجاتنا من الحوت، او الوحش الهائج، الذي أيقظه طوفان الاقصى في فلسطين، وسلاح حزب الله، كذراع ايرانية على حدوده.
كثر من اللبنانيين، خصوصاً من الممانعين التقليديين، لا يقبلون حكاية ايقاظ الحوت. يستندون بالطبع الى الخطيئة الاولى المتمثلة، عن حق، بجريمة الاحتلال وسياسات العنف الدموي المستمر.  يجب علينا هنا لفت الانتباه الى ان هذا التشبيه مع الحكاية تنطبق على لبنان، وليس على فلسطين. فتاريخنا الخاص مع هذا العدو، يجوز تشبيهه بدول الجوار وليس بفلسطين.
أُجبر الاحتلال، على عقد اتفاقيات سلم معينة مع جيرانه، من مصر الى الاردن ويحافظون عليها. اما سوريا فمارست معه سلماً، دون معاهدة معلنة، منذ ان انسحب حافظ الاسد من القنيطرة وأعلن ان اسرائيل احتلتها قبل ان تحتلها. وبحماية شعارات القومية العربية وفلسطين وو ..امتنع عن رشقها بحجر. بالمقابل حمت اسرائيل النظام برموش العين.
جرت حروب عدة بين اسرائيل ودول الجوار، ظل لبنان بمنأى عنها. في العام 67، احتلت اسرائيل الضفة والقدس وسيناء والجولان ولم تقترب من لبنان. ظلت تحكمهما معاهدة الهدنة منذ العام 49. تغير الأمر عندما بدأت طلائع المقاومة الفلسطينية تغزوا لبنان برعاية لبنانية – عربية في 68. وبدأت حروبنا مع اسرائيل.
دفع لبنان، والشيعة بالأخص، اثماناً كبيرة جراء احتلال فلسطين. تسبب الاحتلال بهجرتهم الى بيروت، بعد قطع الطريق نحو فلسطين، وتدفق أكثر من مائة ألف لاجئ فلسطيني، لعدد سكان حوالي المليون. فزاحموهم العمل؛ فنزح شيعة الجنوب نحو بيروت؛ وهم ريفيون غير متعلمين او اصحاب اختصاص، بسبب خدمتهم الالزامية في الجيش العثماني. لذا عملوا فيما تيسر من أعمال هامشية بالطبع.
وهي ذاكرة الحرمان والاضطهاد الحصرية، التي يستعيدها زعماءهم الجدد؛ يرمون مسؤوليتها على الدولة اللبنانية الناشئة التي لم تكن تجاوزت عمر الخمس سنوات. متناسين انهم حصلوا على الاعتراف بهم، كمكون طائفي اساسي لبناني، مع نشوء لبنان الكبير. وصيغة 6 و6 مكرر جعلت منهم احدى الطوائف الأساسية، عكس وضعهم ايام العثمانيين كأقلية مضطهدة.
سياسة شهاب التنموية ساهمت بنهضة تنموية كبيرة للأطراف. ونتج عنها طبقة مثقفين شيعة ظهر تأثيرها في السبعينات. أفشلت المارونية السياسية شهاب وسياسته، وعادت لسياسة عدم المساواة في التنمية.
مجيء موسى الصدر، الشيعي الايراني، ابرزهم كمذهب وساهم بمأسستهم كما السنّة. استغلت ايران نشاط الصدر وتصاعد أعمال المقاومة الفلسطينية، فأرسلت في نفس عام الثورة، في 79، مصطفى شمران لتهيئة الأرضية لتكوين طلائع الحزب، واستغلال القضية الفلسطينية. ثم قضت على جميع منافسي حزب الله، من حرب الاخوة مع امل، الى القضاء على المقاومة الوطنية والمدنية، واختصرتها بمقاومة اسلامية في لبنان. ألزم الخميني بري بتحالف حديدي مع الحزب.
تقول سردية الحزب الحالية، ان نتنياهو كان سيهاجم المقاومة سواء فتحت حرب المساندة أم لا. وهذا صحيح، لأن الحزب برهن بعد ان انسحبت اسرائيل من لبنان، انه يستكمل تنفيذ سياسة حافظ الأسد وإيران بأن لبنان لا يزال محتلاً. وبدل الانضواء تحت جناح الدولة، افتعل حرب 2006، بأوامر من ايران. وقال السيد جملته الشهيرة “لو كنت أعلم”. لكن اسرائيل بدأت تستعد لحربها ضده منذ نهاية حرب 2006.
علينا ان نتذكر ان الحزب رسّم الحدود البحرية مع اسرائيل وتخلّى عن حقل كاريش بمعاهدة علنية، لأنها مصلحة ايرانية. ربما لو استكمل الحدود البرية معها، على ما يتداوله جميع المبعوثين الدوليين، ولم تحصل 7 و8 اكتوبر 2023، التي هزت الوحش، لما تعرضنا لحرب الابادة هذه ولحافظنا على معاهدة الهدنة. بكل الاحوال كان سيظهر نتنياهو كمعتدي على الأقل، ما قد يضعف الاصطفاف الدولي حوله.
 ملاحظة اخيرة:
المضحك المبكي، أن ايران التي أيقظت الوحش الاسرائيلي، وجبنت عن مواجهته، تاركة الحزب ولبنان لمصيرهما؛ تقارن بين موت السنوار المشرّف في ارض المعركة، وبين العثور على صدام في مخبئه!! وكأن من اغتالتهم اسرائيل في لبنان لم يكونوا في أكثر الملاجئ عمقاً تحت الأرض!!

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها