فرنسوا ضاهر

الأربعاء ٥ حزيران ٢٠٢٤ - 12:12

المصدر: صوت لبنان

في مفهوم المارونية السياسية

 

نشأ الكيان اللبناني، في الأول من شهر أيلول سنة ١٩٢٠، على قاعدة أن المسيحيين كأقلية في هذه المنطقة العربية الإسلامية هم بحاجة الى حماية، بالنظر للتحديات التي عانوا منها إبان عهد الإمبراطورية العثمانية وما قبلها.

فتمّ لهم ذلك من خلال الضمانات أي الصلاحيات الدستورية التي أعطاها دستور 1926 للطائفة الأكبر من بينهم، والتي هي الطائفة المارونية.

من هنا، أمكن التكلّم عن المارونية السياسية ليس كطائفة طامحة الى تحقيق مكتسبات دستورية، بل كطائفة مؤسِّسة للكيان اللبناني. وقد وُلِّيت حكم هذا الكيان وإدارته بمشاركة المسلمين، الذين انضموا اليه عند نشأته، من خلال التوازن الذي أرساه الميثاق الوطني الذي تمّ التوافق عليه سنة 1943 والذي تزامن وقوعه مع حيازة لبنان على إستقلاله وخروجه على الإنتداب الفرنسي له.

أما السنّية السياسية التي برزت في ثورة 1958 وواكبت الحياة السياسية في لبنان حتى كانت سبباً مباشراً في اندلاع الحرب الأهلية سنة 1975 التي أوصلت الى إتفاق الطائف سنة 1989 وانتهت بإقرار التعديلات الدستورية سنة 1990، وما رافقها بعد ذلك من ممارسات غير دستورية خلال الفترة الممتدّة من سنة 1992 وحتى سنة 2005،

ومن بعدها الشيعية السياسية التي إتّخذت منحىً تصاعدياً من خلال الممارسات والأعراف والمصطلحات المجافية لأحكام الدستور التي اعتمدت منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 وحتى يومنا هذا، والتي تمّت كلّها على وقع إستخدام سلاح حزب الله، المقاوم للإحتلال الإسرائيلي للبنان، ترهيباً وقمعاً في الداخل اللبناني،

إنما رمتا، في الواقع، الى إتمام تعديلات جذرية في الضمانات والصلاحيات الدستورية التي أولاها دستور 1926 للطائفة المارونية والى تحقيق مكتسبات سياسية على حسابها وإنتزاع مناصب منها لمصلحة كلّ من الطائفتين السنّية والشيعية على التوالي.

الأمر الذي جعل الميثاق الوطني اللبناني يخضع لإهتزازات متتالية ولتصدّعات إتخذت طابعاً صداميّاً وتعطيليّاً لمؤسسات الدولة المركزية، وذلك بالتتابع منذ نشأة لبنان الكبير وحتى تاريخه.

من هنا، لا يمكن التعريف بالمارونية السياسية بذات المفهوم الذي يُعطى للسنّية السياسية او للشيعية السياسية.

ذلك أن الأولى تمثّل مرتكز التركيبة اللبنانية وكيفية توزّع السلطات على الطوائف التي شكّلت لبنان الكبير. في حين، أن الثانية والثالثة تمثّلان الصراع الدائر حول إعادة النظر بتلك التركيبة وكيفية إعادة توزيع السلطات الدستورية فيها وتقاسم المناصب الأولى وما دونها التي تتولّى إدارة مؤسساتها المركزية.

وذلك بغض النظر عن التقديمات والإنجازات والإخفاقات والتحدّيات التي وفّرتها كل من هذه الطوائف الكبرى الثلاث لهذا البلد.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها